الأربعاء، 10 أغسطس 2011

الإدراك.. والإشارات الحسية


ما المقصود بالإدراك الحسي؟
الإدراك الحسي هو العملية العقلية التي بواسطتها نتفطن إلى مثيرات العالم الخارجي التي تجذب انتباهنا أو تثير إحساسنا. إن فهم طبيعة الإدراك، يتخلص في الإجابة على السؤال: كيف يفسر الإنسان ما يحدث له؟إن هذا التفسير يتوقف عليه نوع استجابات الفرد للأحداث أو المواقف أو المثيرات في العالم الخارجي. وبالتالي "إن الإدراك الحسي عملية عقلية تمكن الإنسان من التوافق مع بيئته". وتبدأ هذه العملية العقلية بالتنبيهات الحسية، أي التأثير في أعضاء الحس والإحساس هو شعور بمنبه، أما الإدراك، فهو تفسير أو تأويل ما أحسسنا به. أي أنه إحساس زائد معنى نعطيه للمنبه أو الموضوع الخارجي الذي أثر في حواسنا. فإذا كان الانتباه هو تركيز الشعور في منبه ما، فإن الإدراك هو معرفة هذا المنبه. أي أن الانتباه يسبق الشعور ويمهد له لكي يكتشف ويعرف.كيف، إذا نستخدم الإشارات أو التنبيهات الحسية الآتية من الأعضاء الحسية أو الحواسية في التوافق مع البيئة؟"ينتقل أثر التنبيهات عن طريق أعصاب خاصة إلى مراكز عصبية معينة في المخ، وهناك يترجم هذا الأثر إلى حالة شعورية نوعية بسيطة، هي ما يعرف بالإحساس. والمادة الخام التي يتسلمها المخ من أعضاء الحس خلال الأعصاب الحسية تستخدم وتفسر بواسطة الفرد بناء على خبرته السابقة وفي حدود الأنشطة التي قد يكون الشخص منهمكا فيها في تلك اللحظة".إن الفرد لا يقف من الإثارات والإحساسات موقفا سلبيا، بل إنه يقوم بعملية تفسير وتأويل لهذه المنبهات ويكون للذاكرة والمخيلة دورا في هذه العملية. لذا فإدراك شيء ما قد يختلف تفسيره وتأويله عند الأشخاص تبعا لاختلاف خبرات هؤلاء الأشخاص.الإدراك الحسي إذا، هو عملية غير بسيطة، بل معقدة، إذا يشترك في تكوينها التذكر والتخيل والتشبيه والتمثيل. وهكذا، فإن الإدراك الحسي هو الخطوة الأولى في سبيل المعرفة، وهو أساس العمليات العقلية الأخرى من حفظ وتفكير وتعلم إنه وسيلة الاتصال بالعالم الخارجي، وبذلك يمهد السبيل للسلوك وتعديله ويساعد الفرد على التوافق مع بيته.1- إدراك العالم المحيط بنا:لنتصور وضعية خالية من الأحاسيس حيث لا نرى، ولا نسمع، ولا نشم أي رائحة، ولا نحس بملامسة، ولا نتذوق أي طعم. وضعية يبدو من المستحيل أن نتعرف على العالم المحيط بنا في هذا الفراغ الإحساسي. غن هذا التسجيل الحسي هو الذي يضعنا في احتكاك وفي علاقة معينة مع العالم.نحن معرضون في كل لحظة لمثيرات متعددة ومختلفة لا تعي ولا تدرك إلا بعضها. لنفكر بالإحساس اللمسي الذي تسجله بشرة اليد عند ملامسة شيء ما، ولنفكر بالضجيج المحيط بنا دون أن نعيره انتباهنا؟ كل هذه التنبيهات والإثارات تسجلها أعضاء الحس عندنا بشكل مباشر، ولكن لكي نعيها وندرك رموزها ومعانيها، فمن الضروري أن نواجه انتباهنا نحوها.يقول الباحثون في مجال الذاكرة، أنه يحصل تسجيل لكل المثيرات والمنبهات التي تصل إلى حواسنا حتى وإن لم تعيها أو ندركها أو نوجه انتباهنا نحوها.تسمى البينة التي تحفظ هذه التنبيهات الحسية (سمعية، بصرية، ذوقية، شمية أم لمسية) لفترة قصيرة من الزمن، بالذاكرة الحواسية، أو التسجيل الحواسي أو المسجل الحواسي.ملاحظة:قد يستعمل هذان المصطلحان بمفاهيم مختلفة. فالذاكرة هي البنية، والتسجيل هو سياق أو مراحل المعالجة التي من خلالها يتم تخزين المعلومة في هذه البنية التي تسمى بالذاكرة الحواسية.أ‌- "آه ماذا قلت؟ آه نعم":إن قدرة تسجيلاتنا الحواسية تفوق ما نستطيع وعيه. لقد مررنا جميعا بالتجربة التالية: يقول لك صديقك شيئا ما، ولكن كونك مهمك في هذا الوقت بأمر آخر، فلا تفهم جيدا ما قاله، علما أنك عرفت أنه كلمك.ولكن في الوقت الذي تحاول أن تسأله "ماذا قلت"، تدرك فجأة ما قاله قبل أن يكرره "آن نعم"، تقول قبل أن يجيب على سؤالك. في هذه الوضعية، فإن الأصوات التي صدرت عن صديقك قد تسجلت فعلا في ذاكرتك الحواسية. ولقد حصل هذا الأمر خلال ثانية أو ثانيتين، الوقت الذي توجه انتباهك نحو هذه الأصوات. فأنك استطعت أن تحفظها خلال فترة قليلة من الوقت بعد وصولها إلى ذاكرتك الحواسية السمعية، تمكنت من معالجتها، أي من فهم معانيها.انطلاقا من هذا المثل، نستطيع أن نطرح أسئلة هامة للبحث في الذاكرة الحواسية.السؤال الأول: إذا كان الأصوات هي التي بقيت في الذاكرة الحواسية لكي تعالج فيما بعد، فما الذي بقي في الذاكرة، هل الأصوات ذاتها أم معانيها؟في الحالة الأولى يصبح التسجيل الحواسي معادل للمثير الفيزيائي، بالمقابل، إذا حصل التسجيل لمعاني الرسالة، فمحتوى الذاكرة الحواسية لرسالتين مختلفتي الشكل أو الصياغة إنما المعنى واحد، يكون هو ذاته ولا أهمية للشكل الأساسي لهذه الرسائل.سؤال آخر نطرحه: كم من الوقت تبقى المعلومة في الذاكرة الحواسية؟في المثل السابق لم تستطع أن تعالج الأصوات فورا لانشغالك بأمر آخر.فكم من الوقت كان بإمكانك أن تحفظ للمعلومة في الذاكرة الحواسية دون أن تعالجها؟ فمن المؤكد أن فترة الحفظ للمعلومة في الذاكرة هي فترة محدودة، فبعد عدة ثوان لم يعد من الممكن استعمال هذه المعلومة.ب‌- نيزك وسيجارة في الظلمةإن التسجيل الحواسي هو عملية دائمة مستمرة من الولادة وإلى الممات، حتى أثناء النوم يحصل التسجيل لبعض المنبهات الخارجية كالأصوات مثلا. هذه الإثارات أو الإدراكات تستعاد غالبا في الأحلام. ولأن العملية دائمة ومستمرة فلا نعي سياقها.تؤكد بعض الحالات أو الظروف على وجود الذاكرة الحواسية. قد تكون تساءلت لماذا نرى (النيزك) كخط أو سلك، في حين أن الأمر يتعلق بنقطة تنتقل مثل طابة يتقاذفها الأولاد؟ كيف يمكن أن نرسم أشكالا باستعمال سيجارة مشتعلة في الظلمة، في حين أن الأمر مستحيل خلال النهار؟هاتان الظاهرتان تكشفان عن بعض خصائص الذاكرة الحواسية البصرية. كذلك المثيرات البصرية تبقى لفترة من الوقت بعد غيابها، وبقائها يكون أطول في الظلمة منه في النهار. فإذا أضأنا وأطفأنا بسرعة وفي الظلمة مصباح الجيب بحيث نضيئه كليا لثانية من الزمنن فإننا نراه أطول مما لو أضيء في النهار ولثانية من الزمن أيضا.عندما نحرك السيجارة المشتعلة في الظلمة، فكل نقطة مضيئة تشغلها السيجارة في الفضاء أو المسافة أثناء حركتها تبقى لفترة قصيرة من الزمن.فعندما تتبع النقطة الحمراء، تبقى المثيرات الضوئية السابقة مرئية لفترة قصيرة من الزمن. وهكذا ترى خطا مستمرا في النهار يوجد أيضا دوام للإحساسات، إنما المدة القصيرة لا تمكن من إدراك استمرارية التنقل، ولكن أيضا في الظلمة تبقى الظاهرة لفترة قصيرة. فإذا حصل بطء في حركة تنقل السيجارة، فلا نرى الاستمرارية.وبالفعل، لكي ندرك خط طوله 10 سنتم تقريبا، يجب أن يكون القت الذي ستقطع السيجارة خلاله هذه المسافة أقل من ديمومة الأثر الحواسي.هكذا تستطيع الذاكرة الحواسية البصرية رؤية النيزك. كل نقطة من مسافة النيزك تأخذ وقت معين قبل أن تختفي كليا. هكذا نرى خط مضاء في حين أن الأمر يتعلق بنقطة واحدة مضاءة.جـ- الكلام والفيلم: مجموعتان من الأحداث المتتابعة:من المفيد استبقاء المعلومة الحواسية لتفرة قصيرة، لا بل يجب حفظها من أجل معالجتها وخاصة المعلومة الدينامية الناتجة عن التغيير. مثلا إن أصوات الكلام هي حوادث تحصل بالتتابع الزمني، فلكي نفهم كلمة (الاضطرابات) أو الكلمة الفرنسية عندما تقال، من الضروري عندما نسمع مقطع (بات) أو أن نتذكر المقاطع السابقة.كذلك عندما نشاهد فيلما سينمائيا، فالأمر يتعلق أيضا بمعالجة معلومة دينامية.إن الفيلم السينمائي المكون من مجموعة مشاهد، يبدو للمشاهد كحركة دائمة، ذلك أن هذه المشاهد تقدم بشكل سريع بحيث أن المشهد الجديد يضاف في الذاكرة الحواسية البصرية إلى المشهد السابق. أما إذا عرض الفيلم بشكل بطيء، تصبح المشاهد متقاطعة بحيث يأخذ كل مشهد وقته الكافي للاختفاء في الذاكرة الحواسية البصرية، ويصبح الفيلم كتتابع لمجموعة من المشاهد متفرقة وغير مترابطة.لذلك لكي تبدو الصورة دائمة ومستمرة، يجب أن تكون المسافة الزمنية التي بين نهاية المشهد الأول وبداية المشهد الثاني، أدنى من فترة الاحتفاظ في الذاكرة الحواسية البصرية. بتعبير آخر، عند رؤية المشهد الثاني، يكون المشهد الأول ما زال مرئيا. يوجد نوع من عملية تراكم تسمح بالانتقال التدريجي من مشهد لآخر. هكذا ندرك الديمومة في مجموعة من التنبيهات المتفرقة. إذا يوجد نوع من الخداع في الصور السينمائية.يعتمد ابتكار الأفلام السينمائية على تطبيق تأثير خداعي بسيط وشامل.إن الصورة التي نظنها متحركة، ما هي في الواقع، إلا تتابعا سريعا لمجموعة من الصور العادية التي تتحرك، وكل منها تختلف اختلافا بسيطا عن الصورة تمر أمامنا بسرعة 24 صورة في الثانية، بحيث تحدث انطباعات متصلة في شبكية العين، فيدركها المخ فوا متحركة. أي أن حركة الأشخاص أو الأشياء تكون في إدراكنا وليست على الشاشة. والمسؤول عن هذا هو الأثر الذي تتركه الصورة على الشبكية بعد زوالها. إن سريان الضوء الناتج عن إضاءة مجموعة من الأنابيب الكهربائية المتلاصقة بتتابع سريع مثال نموذجي لهذه الظاهرة.المصدر: علم النفس المعرفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق